فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدين} أيْ مَتَى وقوعُ يومِ الجزاءِ لكنْ لا بطريقِ الاستعلامِ حقيقةً بلْ بطريقِ الاستعجالِ استهزاءً وقُرِىءَ {إِيَّانَ} بكسرِ الهمزةِ {يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ} جوابٌ للسؤالِ أيْ يقعُ يوم هُم عَلى النارِ يحرقونَ ويعذبونَ ويجوزُ أنْ يكونَ يومَ خبرًا لمبتدأٍ محذوفٍ أيْ هُوَ يومَ هم الخ.
والفتحُ لإضافتِه إلى غيرِ متمكنٍ ويؤيدُه أنَّه قُرِىءَ بالرفعِ.
{ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ} أيْ مقولا لهمُ هَذا القول وَقوله تعالى: {هذا الذي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} جملةٌ من مبتدأٍ وخبرٍ داخلةٌ تحتَ القول المضمرِ أيْ هذَا ما كنتُم تستعجلونَ بهِ بطريقِ الاستهزاءِ ويجوزُ أنْ يكونَ {هَذا} بدلًا منْ {فتنتِكم} بتأويل العذابِ والذي صفتُه.
{إِنَّ المتقين في جنات وَعُيُونٍ} لا يُبلُغ كُنهُها ولاَ يُقادرُ قَدْرُهَا {ءاخِذِينَ مَا ءاتاهم رَبُّهُمْ} أي قابلينَ لما أعطاهُم راضينَ بهِ عَلَى مَعْنى أنَّ كُلَّ ما آتاهُم حسنٌ مَرضيٌّ يُتلقى بحسنِ القبولِ {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ} في الدُّنيا {مُحْسِنِينَ} أيْ لأعمالِهم الصالحةِ آتينَ بَها عَلى ما ينبغي فلذلكَ نالُوا ما نالُوا منَ الفوزِ العظيمِ ومَعْنى الإحسانِ بالإجمالِ ما أشارَ إليهِ عليهِ الصَّلاةُ والسلام بقوله: «أنْ تعبدَ الله كأنَّكَ تراهُ فإنْ لم تكنْ تراهُ فإنَّه يراكَ» وقَدْ فُسِّر بقوله تعالى: {كَانُواْ قَلِيلًا مّن الليل مَا يَهْجَعُونَ} أيْ كانُوا يهجعونَ في طائفةٍ قليلةٍ منَ الليلِ على أنَّ {قليلًا} ظرفٌ أوْ كانُوا يهجعونَ هجوعًا قليلًا على أنَّه صفةٌ للمصدرِ ومَا مزيدةٌ في الوجهين ويجوز أن تكون مصدرية أو موصولة مرتفعة بقليلًا على الفاعلية أيْ كانُوا قليلًا منَ الليلِ هجوعُهم أوْ مَا يهجعونَ فيهِ، وفيهِ مبالغاتٌ في تقليلِ نومِهم واستراحتِهم ذكرُ القليلِ والليلِ الذي هُوَ وقتَ الراحةِ والهجوعِ الذي هُو الغرارُ منَ النومِ وزيادةُ مَا، ولا مساغَ لجعلِ ما نافيةً عَلى مَعْنى أنهُم لا يهجعونَ منَ الليلِ قليلًا بل يُحْيونَهُ كُلَّه لَما أنَّ مَا النافيةَ لا يعملُ ما بعدَهَا فيمَا قَبْلَها {وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} أيْ هُم مع قلةِ هجوعِهم وكثرةِ تهجدِهمْ يداومونَ على الاستغفارِ في الأسحارِ كأنَّهم أسلفُوا ليلَهُم باقترافِ الجرائمِ، وفي بناءِ الفعلِ على الضميرِ إشعارٌ بأنَّهُم الأحقاءُ بأنْ يوصفُوا بالاستغفارِ كأنَّهم المختصونَ بهِ لاستدامتِهم لهُ وإطنابِهم فيهِ.
{وَفِى أموالهم حَقٌّ} أيْ نصيبٌ وافرٌ يستوجبونَهُ على أنفسِهم تقربًا إلى الله تعالى وإشفاقًا على النَّاسِ {لَّلسَّائِلِ والمحروم} للمستجدِي والمتعففِ الذَّي يحسبُهُ النَّاسُ غنيًا فيحرمُ الصدقة {وَفِى الأرض ءايات لّلْمُوقِنِينَ} أيْ دلائلُ واضحةٌ عَلى شؤونِه تعالى عَلَى التفصيلِ منْ حيثُ إنَّها مدحوةٌ كالبساطِ الممهدِ وفَيها مسالكُ وفجاجٌ للمتقلبينَ في أقطارِها والسالكينِ في مناكِبها وفَيها سهلٌ وجبلٌ وبرٌّ وقطعٌ متجاوراتٌ وعيونٌ متفجرةٌ ومعادنُ مفتنةٌ وأنها تلقحُ بألوانِ النباتِ وأنواعِ الأشجارِ وأصنافِ الثمارِ المختلفةِ الألوانِ والطعومِ والروائحِ وفَيها دوابُّ مُنبثةٌ قد رتبَ كلُّها ودبرَ لمنافعِ ساكنيِها ومصالحِهم فِي صحتِهم واعتلالِهم.
{وَفِى أَنفُسِكُمْ} أي وفي أنفسكم آياتٌ إذ ليسَ في العالمِ شيءٌ إلاَّ وفِى الأنفسِ له نظيرٌ يدلُّ دَلالَتُه على ما نفردَ بهِ من الهيئاتِ النَّافعةِ والمناظرِ البهيةِ والتركيباتِ العجيبةِ والتمكنِ من الأفعالِ البديعةِ واستنباطِ الصنائعِ المختلفةِ واستجماعِ الكمالاتِ المتنوعةِ {أَفلاَ تُبْصِرُونَ} ألا تنظرونَ فلا تبصرونَ بعينِ البصيرةِ.
{وَفِى السماء رِزْقُكُمْ} أيْ أسبابُ رزقُكِم أو تقديرُه وقيلَ: المرادُ بالسماءِ السحبُ وبالرزقِ المطرُ فإنَّه سببُ الأقواتِ {وَمَا تُوعَدُونَ} منَ الثوابِ لأَنَّ الجنةَ في السماءِ السابعةِ أو لأنَّ الأعمالَ وثوابَها مكتوبةٌ مقدرةٌ في السماءِ وقيلَ: إنَّهُ مبتدأ خبرُهُ قوله تعالى: {فَوَرَبّ السماء والأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ} عَلى أنَّ الضميرَ لَما وأمَّا عَلى الأولِ فإمَّا له وإمّا لَما ذكرَ منْ أمر الآياتِ والرزقِ عَلى أنَّه مستعارٌ لاسمِ الإشارةِ {مّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} أيْ كَما أنَّه لا شكَّ لكُم فِي أنكُم تنطقونَ ينبغِي أنْ لا تشكُّوا في حقِّيتهِ ونصبُه عَلى الحاليةِ من المستكنِ في لحقٌّ أو عَلَى أنَّه وصفٌ لمصدر محذوفٍ أيْ إنَّه لحقٌّ حقًا مثلَ نطقكِم وقيلَ: إنَّه مبنيٌّ على الفتحِ لإضافتِه إلى غيرِ متمكنٍ وهُوَ مَا إنْ كانتْ عبارةً عنْ شيءٍ وأن بما في حيزها إن جُعلت زائدة. ومحلُّه الرفعُ على أنه صفةٌ لحقٌّ ويؤيده القراءة بالرفع. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

قوله: {والذريات ذَرْوًا}.
يقال: ذرت الريح التراب تذروه ذروًا، وأذرته تذريه ذريًا، أقسم سبحانه بالرّياح التي تذري التراب، وانتصاب {ذروًا} على المصدرية، والعامل فيها اسم الفاعل، والمفعول محذوف.
قرأ أبو عمرو، وحمزة بإدغام تاء الذاريات في ذال ذروًا.
وقرأ الباقون بدون إدغام.
وقيل: المقسم به مقدّر وهو ربّ الذاريات وما بعدها، والأوّل أولى {فالحاملات وِقرًا} هي السحاب تحمل الماء، كما تحمل ذوات الأربع الوقر، وانتصاب {وقرا} على أنه مفعول به، كما يقال: حمل فلان عدلًا ثقيلًا.
قرأ الجمهور: {وقرا} بكسر الواو اسم ما يوقر أي: يحمل، وقرىء بفتحها على أنه مصدر، والعامل فيه اسم الفاعل، أو على تسمية المحمول بالمصدر مبالغة {فالجاريات يُسْرًا} هي السفن الجارية في البحر بالرّياح جريًا سهلًا، وانتصاب {يسرًا} على المصدرية، أو صفة لمصدر محذوف، أو على الحال، أي: جريًا ذا يسر، وقيل: هي الرّياح، وقيل: السحاب، والأوّل أولى.
واليسر: السهل في كل شيء {فالمقسمات أَمْرًا} هي الملائكة التي تقسم الأمور.
قال الفرّاء: تأتي بأمر مختلف: جبريل بالغلظة، وميكائيل صاحب الرحمة، وملك الموت يأتي بالموت، وقيل: تأتي بأمر مختلف من الجدب، والخصب، والمطر، والموت، والحوادث.
وقيل: هي السحب التي يقسم الله بها أمر العباد، وقيل: إن المراد بالذاريات والحاملات والجاريات والمقسمات: الرياح، فإنها توصف بجميع ذلك؛ لأنها تذرو التراب، وتحمل السحاب، وتجري في الهواء، وتقسم الأمطار، وهو ضعيف جدًّا.
وانتصاب {أمرًا} على المفعول به، وقيل: على الحال، أي: مأمورة، والأوّل أولى {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لصادق} هذا جواب القسم، أي: إنما توعدون من الثواب والعقاب، لكائن لا محالة.
و{مَا} يجوز أن تكون موصولة والعائد محذوف، وأن تكون مصدرية.
ووجه تخصيص هذه الأمور بالإقسام بها كونها أمورًا بديعة مخالفة لمقتضى العادة، فمن قدر عليها، فهو قادر على البعث الموعود به.
{والسماء ذَاتِ الحبك} قرأ الجمهور {الحبك} بضم الحاء والباء، وقرىء بضم الحاء وسكون الباء، وبكسر الحاء وفتح الباء، وبكسر الحاء وضم الباء.
قال ابن عطية: هي لغات، والمراد بالسماء هنا: هي المعروفة، وقيل: المراد بها السحاب، والأوّل أولى.
واختلف المفسرون في تفسير الحبك؛ فقال مجاهد، وقتادة، والربيع، وغيرهم: المعنى ذات الخلق المستوي الحسن.
قال ابن الأعرابي: كل شيء أحكمته وأحسنت عمله، فقد حبكته واحتبكته.
وقال الحسن، وسعيد بن جبير: ذات الزينة.
وروي عن الحسن أيضًا أنه قال: ذات النجوم.
وقال الضحاك: ذات الطرائق، وبه قال الفرّاء، يقال لما تراه من الماء والرّمل إذا أصابته الريح: حبك.
قال الفراء: الحبك بكسر: كل شيء كالرمل إذا مرّت به الريح الساكنة، والماء إذا مرّت به الرّيح، ويقال لدرع الحديد: حبك، ومنه قول الشاعر:
كأنما جللها الحواك ** طنفسة في وشيها حباك

أي: طرق، وقيل: الحبك: الشدّة، والمعنى: والسماء ذات الشدّة، والمحبوك: الشديد الخلق من فرس أو غيره، ومنه قول الشاعر:
قد غدا يحملني في أنفه ** لاحق الأطلين محبوك ممرّ

وقول الآخر:
مرج الدين فأعددت له ** مشرف الحارك محبوك الكتد

قال الواحدي بعد حكاية القول الأوّل: هذا قول الأكثرين {إِنَّكُمْ لَفِى قول مُّخْتَلِفٍ} هذا جواب القسم بالسماء ذات الحبك أي: إنكم يا أهل مكة لفي قول مختلف متناقض في محمد صلى الله عليه وسلم.
بعضكم يقول: إنه شاعر.
وبعضكم يقول: إنه ساحر، وبعضكم يقول: إنه مجنون.
ووجه تخصيص القسم بالسماء المتصفة بتلك الصفة تشبيه أقوالهم في اختلافها باختلاف طرائق السماء، واستعمال الحبك في الطرائق هو الذي عليه أهل اللغة، وإن كان الأكثر من المفسرين على خلافه.
على أنه يمكن أن ترجع تلك الأقوال في تفسير الحبك إلى هذا، وذلك بأن يقال: إن ما في السماء من الطرائق يصح أن يكون سببًا لمزيد حسنها، واستواء خلقها، وحصول الزينة فيها، ومزيد القوّة لها.
وقيل: إن المراد بكونهم في قول مختلف أن بعضهم ينفي الحشر، وبعضهم يشكّ فيه، وقيل: كونهم يقرّون أن الله خالقهم، ويعبدون الأصنام {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} أي: يصرف عن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، أو عن الحقّ، وهو البعث والتوحيد من صرف.
وقيل: يصرف عن ذلك الاختلاف من صرفه الله عنه بالعصمة والتوفيق، يقال: أفكه يأفكه إفكًا أي: قلبه عن الشيء وصرفه عنه، ومنه قوله تعالى: {قالواْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا} [الأحقاف: 22] وقال مجاهد: يؤفن عنه من أفن، والأفن: فساد العقل، وقيل: يحرمه من حرم.
وقال قطرب: يجدع عنه من جدع.
وقال اليزيدي: يدفع عنه من دفع.
{قُتِلَ الخراصون} هذا دعاء عليهم.
وحكى الواحدي عن المفسرين جميعًا أن المعنى: لعن الكذابون.
قال ابن الأنباري: والقتل إذا أخبر به عن الله كان بمعنى اللعن؛ لأن من لعنه الله فهو بمنزلة المقتول الهالك.
قال الفرّاء: معنى {قتل}: لعن.
والخرّاصون: الكذابون الذين يتخرّصون فيما لا يعلمون، فيقولون: إن محمدًا مجنون كذاب شاعر ساحر.
قال الزجاج: الخرّاصون: هم الكذابون، والخرص: حزر ما على النخل من الرّطب تمرًا، والخرّاص: الذي يخرصها، وليس هو المراد هنا، ثم قال: {الذين هُمْ في غَمْرَةٍ ساهون} أي: في غفلة وعمى جهالة عن أمور الآخرة، ومعنى ساهون: لاهون غافلون، والسهو: الغفلة عن الشيء وذهابه عن القلب، وأصل الغمرة: ما ستر الشيء وغطاه، ومنها غمرات الموت {يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدين} أي: يقولون متى يوم الجزاء تكذيبًا منهم واستهزاءً، ثم أخبر سبحانه عن ذلك اليوم، فقال: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ} أي: يحرقون ويعذبون، يقال: فتنت الذهب: إذا أحرقته لتختبره، وأصل الفتنة: الاختبار.
قال عكرمة: ألم تر أن الذهب إذا أدخل النار قيل: فتن.
وانتصاب {يوم} بمضمر، أي: الجزاء يوم هم على النار، ويجوز أن يكون بدلًا من {يوم الدين}، والفتح للبناء لكونه مضافًا إلى الجملة، وقيل: هو منصوب بتقدير أعني.
وقرأ ابن أبي عبلة برفع: {يوم} على البدل من يوم الدين، وجملة: {ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ} هي بتقدير القول، أي: يقال لهم: ذوقوا عذابكم، قاله ابن زيد.
وقال مجاهد: حريقكم، ورجح الأوّل الفرّاء، وجملة: {هذا الذي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} من جملة ما هو محكيّ بالقول، أي: هذا ما كنتم تطلبون تعجيله استهزاءً منكم، وقيل: هي بدل من فتنتكم.
{إِنَّ المتقين في جنات وَعُيُونٍ} لما ذكر سبحانه حال أهل النار ذكر حال أهل الجنة، أي: هم في بستانين فيها عيون جارية لا يبلغ وصفها الواصفون {ءاخِذِينَ مَا ءاتاهم رَبُّهُمْ} أي: قابلين ما أعطاهم ربهم من الخير والكرامة.
وجملة: {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ} تعليل لما قبلها، أي: لأنهم كانوا في الدنيا محسنين في أعمالهم الصالحة من فعل ما أمروا به، وترك ما نهوا عنه.
ثم بين إحسانهم الذي وصفهم به، فقال: {كَانُواْ قَلِيلًا مّن اليل مَا يَهْجَعُونَ} الهجوع: النوم بالليل دون النهار، والمعنى: كانوا قليلًا ما ينامون من الليل، و{ما} زائدة، ويجوز أن تكون مصدرية، أو موصولة أي: كانوا قليلًا من الليل هجوعهم، أو ما يهجعون فيه، ومن ذلك قول أبي قيس بن الأسلت:
قد حصت البيضة رأسي ** فما أطعم نومًا غير تهجاع

والتهجاع: القليل من النوم، ومن ذلك قول عمرو بن معدي كرب.
أمن ريحانة الداعي السميع ** يهيجني وأصحابي هجوع

وقيل: {ما} نافية، أي: ما كانوا ينامون قليلًا من الليل، فكيف بالكثير منه، وهذا ضعيف جدًّا.
وهذا قول من قال: إن المعنى كان عددهم قليلًا.
ثم ابتدأ فقال: {مَا يَهْجَعُونَ} وبه قال ابن الأنباري، وهو أضعف مما قبله.
وقال قتادة في تفسير هذه الآية: كانوا يصلون بين العشاءين، وبه قال أبو العالية، وابن وهب.
{وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} أي: يطلبون في أوقات السحر من الله سبحانه أن يغفر ذنوبهم.
قال الحسن: مدّوا الصلاة إلى الأسحار.
ثم أخذوا بالأسحار الاستغفار.
وقال الكلبي، ومقاتل، ومجاهد: هم بالأسحار يصلون، وذلك أن صلاتهم طلب منهم للمغفرة.
وقال الضحاك: هي صلاة الفجر.
ثم ذكر سبحانه صدقاتهم فقال: {وفي أموالهم حَقٌّ لَّلسَّائِلِ والمحروم} أي: يجعلون في أموالهم على أنفسهم حقًا للسائل والمحروم تقرّبًا إلى الله عزّ وجلّ.
وقال محمد بن سيرين، وقتادة: الحق هنا: الزكاة المفروضة، والأوّل أولى، فيحمل على صدقة النفل، وصلة الرحم، وقري الضيف؛ لأن السورة مكية، والزكاة لم تفرض إلاّ بالمدينة، وسيأتي في سورة {سأل سائل}:
{والذين في أموالهم حَقٌّ مَّعْلُومٌ لَّلسَّائِلِ والمحروم} [المعارج: 24، 25] بزيادة معلوم، والسائل هو: الذي يسأل الناس لفاقته.
واختلف في تفسير المحروم، فقيل: هو الذي يتعفف عن السؤال حتى يحسبه الناس غنيًا، فلا يتصدّقون عليه، وبه قال قتادة، والزهري.
وقال الحسن، ومحمد ابن الحنفية: هو الذي لا سهم له في الغنيمة، ولا يجري عليه من الفيء شيء.
وقال زيد بن أسلم: هو الذي أصيب ثمره، أو زرعه، أو ماشيته.
قال القرطبي: هو الذي أصابته الجائحة.
وقيل: الذي لا يكتسب.
وقيل: هو الذي لا يجد غنى يغنيه، وقيل: هو الذي يطلب الدنيا وتدبر عنه.
وقيل: هو المملوك.
وقيل: الكلب.